آسيا
محمد خواجوئي
الأربعاء 25 حزيران 2025
لا يبدو مستبعداً أن يكون التخريب الأمني ودعم حركات التمرّد والاحتجاجات الداخلية، على جدول الأعمال في مرحلة ما بعد الحرب (أ ف ب)
طهران -
بعد 12 يوماً من حرب واسعة النطاق بدأتها إسرائيل ضدّ إيران، أُعلن، فجر أمس، عن التوصّل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بينهما، دخل حيّز التنفيذ اعتباراً من السابعة من صباح أمس. ورغم الشكوك المثارة حول استدامته، استناداً إلى تاريخ إسرائيل الطويل في انتهاك اتفاقات وقف إطلاق النار، أولاً، وآخرها في غزة ولبنان، وإلى كونه لا يلزم أيّاً من الطرفين بوثيقة مكتوبة، ثانياً، فإنّ صموده يبقى رهناً بما ستؤول إليه المفاوضات السياسية اللاحقة.
وكان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أعلن، بُعيد منتصف ليل الإثنين - الثلاثاء، عن اتفاق لوقف إطلاق النار، تلقّفه مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، بعد ساعات، ببيان أعلن فيه الموافقة على الاتفاق، فيما علّق وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، على تصريحات ترامب، قائلاً إنه «لا توجد نيّة لدى طهران لمواصلة الحرب، إذا أوقفت إسرائيل هجومها غير القانوني على الشعب الإيراني»، شاكراً باسم كل الإيرانيين، «القوات المسلّحة الباسلة، التي بقيت على أهبّة الاستعداد للدفاع عن وطننا العزيز، حتى آخر قطرة من دمها».
وكانت أسفرت الحرب التي شنّتها إسرائيل على إيران، في الـ13 من حزيران الجاري، عن استشهاد 610 أشخاص على الأقلّ، وإصابة أكثر من 4700، بحسب حصيلة جديدة صادرة عن وزارة الصحة الإیرانیة، بینما أعلنت وزارة الصحة الإسرائيلية عن مقتل 29 إسرائيليّاً على الأقلّ، وإصابة 3238 جرّاء الهجمات الصاروخية الإيرانية.
وبعد ساعات من وقف الحرب، أعلن الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، أنّ بلاده لن تخرق وقف إطلاق النار ما دام التزم الكيان الإسرائيلي به، مؤكّداً استعداد طهران لخوض المفاوضات لـ«إحقاق حقّ شعبها». وأشار بزشكيان، في اتصال مع نظيره الماليزي أنور إبراهيم، إلى أنّ الولايات المتحدة دخلت العدوان إلى جانب الكيان الإسرائيلي عندما عجز الأخير عن تحقيق أهدافه.
ورغم ادّعاء واشنطن تدميرها الكامل للبرنامج النووي الإيراني بهجومها على ثلاث منشآت نووية إيرانية، الأحد، تشير بعض التقارير إلى أنّ العملية لم تحقّق هدفها بالكامل، وآخرها تقرير استخباري أميركي أفاد بأنّ الضربة المذكورة «أخّرت برنامج طهران النووي بضعة أشهر فقط». كما أفادت تقارير أخرى بأنّ إيران نقلت احتياطاتها من اليورانيوم المخصّب إلى مكان مجهول، ما سيعني استمرار الصراع حول برنامجها النووي.
ويضاف إلى ذلك، إنّ بقاء نظام الجمهورية الإسلامية، بنهجه العدائي تجاه الغرب وإسرائيل، رغم الحرب الشاملة عليه، سيُبقي هذا الصراع قائماً. ولذلك، كرّر المسؤولون الأميركيون والإسرائيليون، بمن فيهم دونالد ترامب، في الأيام الأخيرة، الحديث عن أهمية «تغيير النظام» في إيران. وبالفعل، أظهرت الهجمات على المقرّات والمنشآت العسكرية والأمنية والحكومية الإيرانية، واغتيال العديد من القادة العسكريين، أنّ الهدف الرئيس لواشنطن وتل أبيب لم يكن احتواء البرنامج النووي الإيراني فحسب، بل أيضاً إضعاف الحكومة الإيرانية، وتهيئة الظروف لزعزعة استقرار البلاد مستقبلاً. ومن هنا، لا يبدو مستبعداً أن يكون التخريب الأمني ودعم حركات التمرّد والاحتجاجات الداخلية، على جدول الأعمال في مرحلة ما بعد الحرب.
من جهة أخرى، يبدو أنّ إسرائيل تسعى لإرساء معادلة أمنيّة جديدة ضدّ إيران، تمنحها «حرية التصرّف» العسكري والأمني في هذا البلد، على غرار ما هو حاصل في لبنان، منذ سريان الهدنة في الـ27 من تشرين الثاني الماضي. ولذلك، من غير المستبعد أن تلجأ إسرائيل مرّة أخرى، في المستقبل غير البعيد، إلى الاعتداء على إيران (في صورة اغتيالات مثلاً)، تحت ذرائع من مثل الإجراءات السرّية التي تقوم بها طهران لتعزيز برنامجيها النووي أو الصاروخي، وتحويل هذه الاعتداءات إلى روتين.
وبطبيعة الحال، فإنّ اتّخاذ مثل تلك التدابير يعتمد على ردّ الفعل الإيراني؛ فإذا استطاعت الجمهورية الإسلامية خلق حالة ردع بقوّتها الهجومية الصاروخية وإعادة بناء أنظمتها الدفاعية، فسيكون من الصعب على إسرائيل أن ترسي هكذا معادلة أمنيّة.
استمرار نظام الجمهورية الإسلامية وبقاؤه، بنهجه العدائي تجاه الغرب وإسرائيل، قد يُبقي الصراع قائماً